سورة غافر - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6)} [غافر: 40/ 1- 6].
هذه الآيات تبين مصدر إنزال القرآن: وهو أنه من عند اللّه، وتناقش الكفار الذين جادلوا بالباطل، لدحض الحق، فاستحقوا التهديد بالعذاب في النار.
حم: حروف مقطعة للاستفتاح والتنبيه لخطر ما بعدها، وللتحدي بالإتيان بمثل آي القرآن في الفصاحة والبلاغة، والإحكام في النظم والمعنى، لأنه لم يخرج تركيبه عن الحروف العربية، مثل هذين الحرفين: حم، ثم إن تنزيل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم من اللّه الغالب القوي القاهر، الواسع العلم بخلقه وبكل أقوالهم وأفعالهم، فأنت أيها النبي صادق في قولك: إنك رسول اللّه، وإن القرآن من عند اللّه. واللّه منزّل القرآن: هو غافر الذنب الصادر من الإنسان، وقابل التوبة الخالصة منه، وشديد العقاب لمن عاداه، وذو الفضل والسعة والنعمة والمن بكل نعمة، ينعم بمحض إحسانه، وهو الإله الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، وإليه مرجع الخلائق كلهم. هذه ست صفات لله عز وجل تضمنت وعيدا بين وعدين، وعيدا بالعقاب، ووعدا بمغفرة الذنب وبالإمداد بالنعم، وهكذا رحمة اللّه تعالى تغلب غضبه. قال عمر رضي اللّه عنه: «لن يغلب عسر يسرين» مشيرا لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)} [الشرح: 94/ 5- 6].
ولا يخاصم في دفع آيات اللّه وتكذيبها إلا الذين كفروا بالله، فهم يجادلون بالباطل، أي جدالا باطلا، فلا تغتر أيها النبي أو تظن أن وراء تقلبهم وإمهالهم خيرا لهم، ولا يغتروا بإملاء اللّه تعالى لهم، أي ولا تنخدع بتصرفهم وتمتعهم بالمساكن والمزارع والأسفار، وتنقلهم في بلاد اللّه للتجارة وتحقيق الأرباح، وجمع الأموال، فإنهم معاقبون عما قليل، وعاقبتهم في النهاية: الدمار والهلاك.
ثم ذكر اللّه تعالى أن لهم مثلا بمن تقدمهم من الأمم السابقة، فكما حل العقاب بأولئك، كذلك ينزل بهؤلاء، فلقد كذبت قبل جماعة قريش قوم نوح والأحزاب (الجماعات) الذين تحزبوا على الرسل من بعد قوم نوح، كعاد وثمود وأهل مدين وأصحاب لوط، وقوم فرعون وغيرهم، فإنهم جاهروا بتكذيب الرسل، فعوقبوا أشد العقاب.
وعزمت كل أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم المرسل إليهم على أخذه، لحبسه وتعذيبه، أو قتله، أو طرده، وجادلوا الرسل بالشبهة المزيفة، وبباطل القول وزخرف الكلام، لرد الحق، وإبطال الإيمان الصحيح.
وقوله تعالى: {لِيَأْخُذُوهُ} معناه: ليهلكوه، والأخيذ: القتيل أو الأسير، فأخذهم اللّه، أو أهلكم ودمرهم.
فانظر كيف كان عقابي الذي عاقبتهم به؟ فإنه كان مهلكا مستأصلا. فيكون قوله تعالى: {فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} تعجيب وتعظيم، وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر.
ثم أكد اللّه تعالى هذا المعنى بقوله: { وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي وكما أخذت أولئك المذكورين وأهلكتهم، فكذلك حقت كلماتي، ووجب عذابي على جميع الكفار، من تقدّم منهم ومن تأخر، أنهم أهل النار وسكانها. وهذه كلها عبارة عن تحتم القضاء عليهم، فما دام السبب واحدا أو العلة واحدة، فإن الجزاء أو العذاب واحد، وهو استحقاقهم النار.
إن عدالة القرآن الكريم، وبيانه البديع، وقانونه الحق المبرم يتطلب كل ذلك الإذعان لدعوته وامتثال أمر اللّه وطاعته، والحذر من مخالفته وعصيانه، ولو لم يكن ذلك منهج القرآن الذي يسوّي بين جميع البشر في الحساب والجزاء، لما أيقن أهل الإيمان بقدسيته، ولما جعلوه بمثابة الروح والقلب والدم في نفوسهم، بل الذي لا يعلوه شيء ولا يتقدم عليه شيء.
استغفار الملائكة للمؤمنين:
كرّم اللّه تعالى أهل الإيمان بأنواع متعددة من التكريم والتشريف، سواء في الدنيا أو في الآخرة، ومن ذلك أن الملائكة حملة العرش والذين هم حول العرش وهم أفضل الملائكة يستغفرون للمؤمنين، ويسألون اللّه تبارك وتعالى لهم الجنة والرحمة.
وما أحوج الإنسان إلى رحمة اللّه وفضله!! وما أكرم المؤمن الذي يحظى بدعاء الملائكة، وبقبول اللّه لهذا الدعاء المخلص المجاب من رب العزة، كما جاء في بعض الآيات: {كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا} [الفرقان: 25/ 16]. أي سألته الملائكة فأجيبوا.
وجاء تفسير مجمل هذا الدعاء في آية أخرى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 42/ 5]. وهذا الدعاء والتكريم الملائكي للمؤمنين: هو مضمون الآيات الآتية:


{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر: 40/ 7- 9].
المعنى: إن الملائكة حملة العرش ومن حول العرش وهم الكروبيون أفضل الملائكة ينزهون اللّه تعالى عن جميع النقائص، ويحمدونه على نعمه البالغة، ويصدّقون بوجود اللّه ووحدانيته، ولا يتكبرون إطلاقا عن عبادته، ويطلبون المغفرة السابغة للذين آمنوا بالله وبالغيب، لا للذين كفروا بالله ومغيباته، إذ لا يجوز الاستغفار للكفار إلا بمعنى طلب هدايتهم والمغفرة لهم بعد ذلك، كاستغفار إبراهيم عليه السّلام لأبيه.
واستغفار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمنافقين: معناه أن يهديهم اللّه ثم يستقيموا.
والعرش: أعظم المخلوقات، وهو مركز تدبير العالم وهو حقيقة، الله أعلم به.
ومضمون دعاء الملائكة بالاستغفار هو:
يا ربنا الذي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، اغفر واستر واصفح عن المؤمنين الذين تابوا عن الذنوب، واتبعوا سبيلك ودينك في القرآن، واحفظهم من عذاب الجحيم- عذاب النار.
ربنا وأدخل المؤمنين جنات عدن، أي جنات الإقامة الدائمة التي وعدتهم بها على ألسن الرسل، وأدخل معهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم المؤمنين الصالحين، اجمع بينهم وبينهم، تكميلا لنعمتك وفضلك، إنك أنت القوي الغالب الذي لا يقهر، الحكيم في أقوالك وأفعالك من شرعك وقدرك.
روي عن سعيد بن جبير في تفسير هذه الآية: أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته، فيقول: أين أبي؟ أين أمي؟ أين زوجتي؟ فيلحقون به لصلاحهم، ولتنبيهه عليهم وطلبه إياهم، وهذه دعوة الملائكة.
ولم يقتصر دعاء المؤمنين على طلب إدخال الجنان، وإنما شمل طلب الحماية من العذاب أو العقاب، فيا ربنا احفظ المؤمنين من ألوان العقاب والعذاب وجزاء المعاصي التي ارتكبوها، بأن تغفر لهم، ولا تؤاخذهم بشيء منها، واحمهم من آثار السيئات، فمن وقيته من السيئات يوم القيامة، فقد شملته برحمتك، وأنجيته من عذابك، وذلك هو الفوز الأكبر الذي لا فوز أفضل منه. وقوله تعالى: {وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ} يحتمل معنيين:
الأول: يحتمل أن يكون الدعاء في أن يدفع اللّه عنهم السيئات نفسها حتى لا ينالهم عذاب من أجلها.
الثاني: ويحتمل أن يكون الدعاء في رفع العذاب اللاحق من السيئات، أي وقهم جزاء السيئات، فهو على هذا على حذف مضاف.
إن فائدة استغفار الملائكة للمؤمنين التائبين الصالحين هي زيادة الكرامة والثواب، وتحقق الإجابة لهذا الدعاء، لأن دعاءهم وسؤالهم بوعد من اللّه تعالى، لا خلف فيه.
ومن مزيد فضل اللّه وتكريمه: إخباره في قرآنه المجيد عن هذا العون والمدد: بأن الملائكة تستغفر لأهل الإيمان، كما تستغفر أيضا لطلاب العلم، كما جاء في الحديث النبوي الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحة والبيهقي عن أبي الدرداء الذي قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل اللّه له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء...».
أهوال الحساب يوم القيامة:
لا يتصور إنسان تصورا واعيا مدى المخاطر والأهوال والمخاوف التي يتعرض لها الكفرة في عالم الحساب يوم القيامة، ولولا القرآن الكريم الذي رسم صورة مرعبة لحال الكفار في ذلك اليوم الرهيب، لما أدركنا تلك الأهوال أو تصورناها، وإشفاقا على هذا الإنسان المتمرد في الدنيا عن الإيمان بربه والعمل بأوامر اللّه، كيف يتحمل تلك الأهوال وألوان العذاب والهزات والآلام الشديدة؟! ولكن العلاج سهل وتفادي الويلات المرتقبة أمر يسير جدا، وهذه مهمة القرآن الكريم في الإنذار والتحذير، كما ترسم هذه الآيات:


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17)} [غافر: 40/ 10- 17].
هذه أحوال الكافرين، ذكرت عقب بيان أحوال المؤمنين من التكريم بدعاء الملائكة لهم، ليتبين الفرق، وتتبين المعادلة أو الموازنة بين الفريقين على نحو واضح كالشمس، وهذه الفوارق هي ما يلي:
- تنادي الملائكة الكفار يوم القيامة، وهم يعذبون في نار جهنم: بأن تعذيب اللّه وغضبه عليهم في الآخرة أشد وأكبر من مقت أنفسهم ولومها على ما قدموا من سوء الأعمال في الدنيا حين أعرضوا عن الإيمان بالله تعالى، ودعوا إليه، فكفروا وتمردوا.
- فيجيب الكفرة مستغيثين مستنجدين قائلين: يا رب، لقد أمتنا مرتين حين كنا نطفا في الأصلاب، وذرأت في عالم الذر، وحين صرنا أمواتا بعد حياة الدنيا، وأحييتنا مرتين أيضا: حياة الدنيا، وحياة البعث والنشور من القبور، فاعترفنا بذنوبنا التي اقترفناها في الدنيا، من تكذيب الرسل، والتورط في الشرك، وإنكار البعث والحساب في عالم الآخرة، فهل لنا طريق للخروج من النار والرجوع إلى الدنيا، لنعمل غير الذي كنا نعمل؟! فأجابتهم الملائكة: ذلكم المقت لأنفسكم، وتعرضكم للعذاب الذي أنتم فيه على النحو القائم في وضعكم: لا تغيير فيه ولا تبديل، ولا رجعة إلى الدنيا، بسبب أنكم كنتم إذا دعيتم لتوحيد اللّه عز وجل في دنياكم، كفرتم به وتركتم توحيده باستمرار، وإن يشرك بالله غيره من عبادة الأصنام ونحوها، تصدّقوا بالشرك وتجيبوا الداعي إليه، فالحكم لله وحده دون غيره صاحب العظمة والجلال، والتعالي عن المثيل في ذاته وصفاته، الأكبر من كل شيء في الوجود.
ومن كمال عظمة اللّه وقدرته: أنه سبحانه هو الذي يظهر لكم دلائل توحيده، وعلامات قدرته في آيات الكون العظيمة، الدالة على مبدعها وخالقها، وينزل لكم من السماء المطر، يكون سببا في الرزق والنماء، ونتاج الزروع والثمار، ولكن لا يتعظ بتلك الآيات إلا الراجع إلى ربه، الخاشع المطيع، فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء، ولو كره الجاحدون المنكرون منهجكم ذلك.
ومن صفات اللّه العالية: أنه رفيع الصفات، منزه عن مشابهة المخلوقات، صاحب العرش والسلطان المطلق، ينزل الوحي على من يريد من عباده ويصطفيه، لينذر بهذا الوحي الناس من العذاب، يوم اجتماع الخلائق للحساب في محشر القيامة.
ومن صفات القيامة: أن يوم التلاق أو اجتماع الناس للحساب هو اليوم الذي يكونون فيه ظاهرين للعيان، أي مرئيين بالعين المجردة، لا يسترهم شيء لاستواء الأرض وهم خارجون من قبورهم، ويكون فيه الملك المطلق والسلطان الشامل لله الواحد الأحد، صاحب القهر والغلبة والقدرة، لا لأحد سواه من ملك أو رسول أو نبي.
إن يوم القيامة: هو يوم الجزاء والحساب والعقاب والثواب بحسب عمل كل عامل، من خير أو شر، صالح أو سيئ، ولا ظلم في الحكم فيه على أحد، فلا زيادة في العقاب، ولا نقص من الثواب، وإن اللّه في هذا الموقف سريع الحساب لعباده على أعمالهم في الدنيا، فيحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسا واحدة، كما جاء في آية أخرى: {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} [لقمان: 31/ 28]. وهذا نص واضح على أن الثواب أو العقاب على اكتساب العبد وعمله، وعلى إحاطة اللّه بالأشياء علما.
إنذارات من مخاوف القيامة:
حرص الحق سبحانه وتعالى في قرآنه على تقويم الإنسان وضمان حياة السعادة والنجاة له، فقدّم له الإنذارات المتتالية، والتحذيرات المتعاقبة، ولا سيما من أهوال القيامة ومخاطرها، وهو يوم الآزفة، ليبادر الناس جميعا للإيمان، ويتجنبوا الشرك والعصيان، فإن فعلوا حققوا الخير لأنفسهم، وإن تمردوا وعصوا، جلبوا الدمار والهلاك لذواتهم، ولا يغنيهم أي شيء قدموه أو يقدمونه عن الجزاء العادل، والحساب الرهيب عن سوء أعمالهم، وفحش منكراتهم. وإذا كان الأمر خطيرا تفادينا أسبابه، والسبب النافع يحقق ثمرة طيبة، والسبب العقيم يؤدي إلى نتيجة وخيمة، قال اللّه تعالى واصفا إنذاراته:

1 | 2 | 3 | 4